■ الوطن:
البحرين دولةٌ في جنوب غرب القارة الآسيويّة، تتكون من أرخبيل جزر (33 جزيرة) تتوسط الخليج العربي ويحدَّها من الغرب مساحات شاسعة من شبه الجزيرة العربية (المملكة العربية السعودية) ومن الشمال الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ومن الجنوب شبه جزيرة قطر (دولة قطر). اُطلق اسم البحرين في الماضي على منطقةٍ جغرافيةٍ غير المنطقة الحالية، حيث كانت تحتوي على أوال، الأحساء، القطيف، والساحل المُمتد من عُمان إلى البصرة. مع تعاقب الأزمنة، امتدت البحرين من جزيرة قيس الواقعة على الساحل الإيراني حتى البصرة.

بدأ العرب بالنزول إلى منطقة البحرين الكبرى في حوالي 1200 قبل الميلاد، حيث قَدُمت بعض القبائل العربية إلى البحرين؛ بسبب إنهيار سد مأرِب في اليمن عدّة مرات. قبل مجيء الإسلام، كانت البحرين تحت سيطرة الدولة الساسانية (الامبراطورية الفارسية الثانية) حيث انتصرت على الدولة البيزنطية وامتد نفوذها إلى فلسطين، اليمن، ومصر.

قرّر أهالي البحرين اعتناق الدين الإسلامي استجابةً لدعوة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، وانتهى بهذا الإعتناق الحُكم الساساني الفارسي في العام 627م، إلا أن الحُكم الفارسي عاد إلى البحرين في عام 1602م، وحكم قرابة ألف عام، فيما عاد بشكلٍ متقطّع حتى العام 1783م. انحاز شعب البحرين إلى الإمام علي ابن أبي طالب (عليه السلام) أثناء حُكم الدولة الأموية، فكانت أرض البحرين تُمثل مقراً وملجأً للمعارضة، حيث لم تخضع البحرين دائماً للحُكم المركزي في بغداد أو دمشق إبّان الدولة الإسلامية.

أما في زمن الدولة العباسية، أصبحت البحرين معقلاً للكثير من الثوَّار، أمثال الزنوج الذين ثاروا على الحكم العباسي وغادروا مركز الحُكم حتى وصلوا إلى البحرين وحكموها لمدة عشرين عاماً (ما بين عام 863 إلى 883م). وبعد ذلك حكم القرامطة (حركة إسماعيلية سريَّة) البحرين الكبرى حوالي 180 عاماً (ما بين عام 899 إلى 1080م)، وسقط حُكمهم حينما غزوا الكعبة وانتزعوا الحجر الأسود منها، حيث قام أهل البحرين بالإنقلاب على الدولة القرمطية، وأعلنوا الولاء إلى بغداد، أيَ الولاء السياسي لأهل البيت (عليهم السلام).

لمدة 120 عاماً (ما بين عام 1058 إلى 1238م) حكمت عائلة من آل عبد القيس (العيونيون) البحرين، وكان مقرهم الأحساء. جاء بعدها حُكم عائلة آل عصفور لمدة 250 عام (ما بين عام 1238 إلى 1453م)، وقيل إنّ البحرين الصغيرة (أوال) قد تعرّضت لبعض الهجمات أثناء حُكم آل عصفور في عام 1453م، حيث انقلب آل جبر على آل عصفور (أبناء عمومة) ليحكموا البحرين لمدة تصل إلى 68 عاماً.

سيطر البرتغاليون على البحرين عام 1521م بعد أن قتلوا حاكمها (مقرن آل جبر)، وكانت تلك الفترة بداية التوسع الأوروبي تجاه المنطقة الخليجية. وقد فضّل البرتغاليون احتلال البحرين الصغيرة على باقي المناطق؛ لأنها غنيّة باللؤلؤ ومختلف الثروات الطبيعية، ومنذ تلك الفترة بدأ انفصال جزيرة البحرين الصغيرة (أوال) عن البحرين الكبرى. انتهى الحُكم البرتغالي في البحرين عام 1602م بعد انتفاضةٍ شعبيةٍ كبرى أدّت إلى إنهاء الإحتلال، وعيَّن البرتغاليون رجلاً إيرانياً من الطائفة السُنية (من منطقة هرمز) ليحكم البحرين. كان الحاكم الإيراني مُستبداً ظالماً، حيث استولى على ممتلكاتٍ عامة كثيرة. وفي خضم انشغال البرتغاليون بالهولنديين، اتصل أهل البحرين بشاه إيران آنذاك، وهو الذي وفّر الحماية لهم، وبذلك بدأ الحُكم الفارسي مرةً أخرى.

استمر الحُكم الإيراني (حقبة الدولة الصفوية) حتى عام 1700م، وكان الحُكم الإيراني مُتقطِّعاً، ففي قرابة منتصف القرن السابع عشر استولى أحد أفراد آل جبر على الحُكم لمدة 15 عاماً، لكن الإنتفاضة اقتلعته، وعاد الحُكم الفارسي. وفي العام 1722م سيطر جبارة الهولي على البحرين وحكمها لمدة 15 عاماً حتى عودة الحُكم الإيراني الأفشاري (دولة أسسها نادر شاه) في العام 1737م.

حكم آل مذكور أرض البحرين بتمثيل الحُكم السياسي الإيراني (ما بين عام 1737 إلى 1783م)، واندلعت في تلك الفترة حرباً أهليةً بين العوائل المُتنفّذة، واستعانت إحداهم بقبيلة آل خليفة (القاطنون في الزبارة)، واشتدّت الحرب بعد فشل حملة قادها آل مذكور ضد آل خليفة الذين اُتهموا بقتل عدد من أهالي سترة (جزيرة بحرينية) أثناء شجار حدث في عام 1782م. بعد فوضى الحرب، استقر الحُكم إلى الحاكم الأول من عائلة آل خليفة (ما بين عام 1783 إلى 1799م) حتى أصبح حاكم مسقط حاكماً على البحرين (ما بين عام 1799 إلى 1802م)، وعيَّن شخصاً من آل عصفور نائباً عنه لمدة ثلاث سنوات. تعاون آل خليفة مع الوهابيين، وحكموا البحرين لمدة تسع سنوات (ما بين عام 1802 إلى 1811م)، ولكن آل خليفة عملوا على طرد الوهابيين بمساعدة حُكام مسقط.

وكانت الفترة الواقعة بين العام 1811م حتى العام 1869م فترة تحارب أجنحة قبيلة آل خليفة مع بعضها البعض، فهرب الكثير من أهل البحرين إلى مناطق عديدة مثل: القصبة، البصرة، والأهواز. وفي العام 1869م، عزمت بريطانيا على إنهاء كل تلك المشاكل والتجاذبات؛ فتدخّلت في البحرين بصورةٍ مباشرة وطردت فرعاً من عائلة آل خليفة. في تلك الفترة ولمدة 54 عاماً، تم التعامل مع السكّان الأصل (البحارنة) بصورةٍ قاسية وفُرض عليهم نظام السخرة (نظام إقطاعي). في العام 1922م اندلعت الإنتفاضة الشعبية السلمية، طالب فيها البحارنة بإلغاء نظام السخرة وإلغاء الضرائب والرقبية (دفع ضريبة عن كل شخص بلغ 15 عاماً)، ما حدا بالإنجليز للتدخّل، فوعدوا الشيعة بإلغاء نظام الإقطاع والبدء بمرحلة إصلاحات إدارية شاملة.

بدأت مرحلة البحرين الحديثة بالفعل بتأسيس بلدية المنامة عام 1919م وانتهى نظام الضريبة الرقابية وانتهت السخرة، وبدأت المرحلة بمجيء المستشار البريطاني تشارلز بلجريف (مستشار الحاكم)، حيث أقام في البحرين لمدة 30 عاماً (ما بين عام 1926 إلى 1956م). ومنذ العام 1994م، بدأ الشيعة انتفاضةً عارمة للمطالبة بالحقوق السياسية، وتركّزت على المطالبة بتوفير فرص عمل، إنهاء التجنيس السياسي المُمنهج، وإيقاف إبعاد الكفاءات الشيعية عن أي مساهمة في مؤسسات الحُكم. وخلال تلك الإنتفاضة قدّم البحارنة ما يربو على الأربعين شهيداً وشهيدة، وتجدّدت الأحداث في الألفيّة الجديدة دون حلول جذرية حقيقية حتى الآن. [1]

■ القرية:
تقع قرية توبلي في الجهة الشرقية لجزيرة البحرين (الأُم) وفي الجهة الغربية بالنسبة لجزيرتيّ سترة والنبيه صالح. تحدّها من الشمال قرية البلاد القديم وضواحيها، ومن الغرب قرية سلماباد، ومن الجنوب قرية جدعلي. وجاء في معاجم وكتب علماء البحرين: توبلي بضم التاء وسكون الواو وكسر الباء واللام، تحتوي على بلدان، والنسبة إليها (توبلاني) على خلاف القياس، وكانت تضم عيناً شهيرة وكبيرة تُسمّى (عين السيّد) وأُخرى تسمّى عين القرائن ورُدِمت الآن بعد جفاف مائها. [2]

وذكر الشيخ التاجر في تدّوينات أحد كُتبه رأيّاً فريداً يربط فيه قرية توبلي بقرية البلاد القديم، حيث قال وهو في صددِ حديثه عن قرية توبلي: ربما يكون اسم (توبلي) مُحرّفاً عن (توبولي) باللغة الفينيقيّة بمعنى المدينتين، إذ لم يوجد لبلاد القديم اسمٌ خاص غير هذا النكرة، مع أن (بلاد القديم) قديمةٌ وآثارها عظيمة ولا تُعرف بغير اسمها، فيغلُب على الظن أن اسم (توبلي) شاملٌ للإثنتين، إذ كانتا تمثلان عاصمة الفينيقيين القدماء في البحرين. [3]

تتكون توبلي من عدّة بلدات صغيرة، عددٌ منها اندثر، والعدد الآخر التحم ببعضه البعض. المناطق أو القرى الباقية حالياً من توبلي: توبلي القديمة، توبلي الجديدة، الجُبيلات، الهُجَير، الكَوَّرة، ومنطقة خليج توبلي. تُمثّل الطائفة الشيعية (الإمامية) السواد الأعظم من سُكَّان هذه القرية كغيرها من القرى والمناطق البحرينية، ويكثُر فيها السادة من ذريَّة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم). أما في لهجة أبناء قرية توبلي، فقد ذكر الدكتور عبدالعزيز مطر في بحثه في لهجات قرى ومُدن البحرين إلى تماثُل لهجة أهالي توبلي، المعامير، جدحفص، السنابس، جزيرة النبيه صالح، سند، وجزء من مدينة المنامة مع لهجة أهالي جزيرة سترة وقُراها. [4]

اشتهرت قرية توبلي بكثرة عيونها ونخيلها، لكن كثير من الأسباب سلبتها تلك الشُهرة. خليج توبلي هو الآخر من أبرز معالم القرية، حيث كان مصدراً للرزق لكثيرٍ من شعب البحرين؛ لما يحتويه من خيرات وثروات زاخرة. في السنوات الأخيرة، تدهورت سواحل الخليج وأصبحت غير صالحة للصيد، واندثرت أغلب ثرواته ومناظره؛ بسبب مصبَّات المجاري والصرف الصحي التي تصبُّ في مياهه، إلى جانب أعمال الردم والدفن والتوسع العمراني.

ويبدو أن الثروة السمكيّة التي يتمتّع بها خليج توبلي قديماً لم تكن شيئاً عابراً، حيث ذكر الشاعر الخطي في ديوانه في وصف تلك الصورة عندما عبَر خليج مقطع توبلي: عَبرَ البحر بين محلّة (مرّي) من قرية (كتكان) توبلي حالياً، من جزيرة (أوال) من البحرين، متوجهاً لمنزله بقرية (أبو بهام)، حيث كان البحر جزراً، فلما توسّط معظم الماء، وثب بعض الحوت اسمه (السبيطي) قافزاً في وجهه، فشقَّ وجنته اليمنى بجرح؛ كانت عينه منه في عناية، فتأذى لذلك، فطالبه الأدب بنظم قصيدة (قصة) فقال للسنة (1019هـ/ 1610م)

بِرغمِ العَوَالِي والمُهَنَّدَةِ البُتْرِ … دِمَاءٌ أَرَاقَتْهَا سُبَيْطِيَّةُ البَحْرِ
أَلاَ قَدْ جَنى بَحْرُ (البِلادِ) و(تُوبِلي) … عَلَيَّ بِما ضَاقَتْ بِهِ سَاحَةُ البَرِّ
ومنها قوله أيضاً:
تَوَجهْتُ مِن (مِرِّي) ضُحَىً فَكَأنَّمَا … توَجَّهتُ من (مِرِّي) إلى العَلْقَمِ المُرِّ
تَلَجْلَجْتُ خُورَ القَرْيَتَينِ مُشَمِّراً … وشِبْلِي مَعِي والماءُ في أوَّلِ الجَزْرِ [5]

ويبقى المَعلم الأبرز في قرية توبلي مرقد أحد أعاظم علماء الطائفة الشيعية، وعَلمٌ من أعلام البحرين، العلامة المُحقق السيد هاشم التوبلاني الكتكاني البحراني، وقد اُشتهر بلقب (صاحب البُرهان) نسبةً لمؤلفه المعروف في تفسير القرآن الكريم. ويحتل مرقده ومزاره الشريف مكانةً عاليةً لدى أبناء الطائفة، حيث يقصده من داخل البحرين وخارجها الكثير. السيد هاشم – المعروف بالعلامة – ابن المرحوم السيد سليمان ابن السيد إسماعيل ابن السيد عبد الجواد الكتكاني – نسبة إلى كتكان بفتح الكافين والتاء المثناة الفوقانية – قرية من قرى (توبلي) بالتاء المثناة الفوقانية ثم الواو الساكنة ثم الباء الموحدة ثم اللام والياء أخيراً – أحد أعمال البحرين. توفي في قرية نعيم ونُقل نعشه إلى قرية توبلي، ودُفن في مقبرة (ماتيني) من مساجد القرية المشهورة، وقبره مزار معروف. [6]

تحتوي توبلي على أكثر من عشرين مسجداً في مختلف بلداتها، وتنتشر فيها المآتم الحسينية الرجالية والنسائية التي تُحيي مختلف المناسبات الإسلامية وتحتضن الفعاليات الدينية. وينطلق موكب العزاء في طرقاتها تحت مُسمَّى موكب العلامة السيد هاشم التوبلاني؛ وذلك تكريماً وتخليداً لـ (التوبلاني) وعلى مقربة من مرقده الشريف تقع مقبرة القرية التي سُميَّت أيضاً باسمه (قُدّس سرّه).


[1] محاضرة: التاريخ الحقيقي للبحرين
▪ إلقاء: الدكتور منصور الجمري
[2] كتاب: ماضي البحرين وحاضرها
▪ تأليف: الشيخ ابراهيم المبارك
[3] كتاب: عقد اللآل في تاريخ أوال
▪ تأليف: الشيخ محمد علي التاجر
[4] كتاب: ظواهر نادرة في لهجات الخليج
▪ تأليف: الدكتور عبدالعزيز مطر
[5] كتاب: ديوان أبو البحر
▪ تأليف: أبو البحر الشيخ جعفر الخطي
[6] كتاب: لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث
▪ تأليف: العلامة الشيخ يوسف بن أحمد البحراني

قَالوْا عَن العلَّامة التُوبْلاني

الشيخ يوسف البحراني
    

لَمْ تَأخِذَهُ - أيّ العَلامَة التُوْبلانِيْ - لَومَةَ لائِمٍ فِيْ الدِينِ، وكَانَ مِنَ الأتْقِيَاءِ المُتَورِعِينَ شَديْدَاً عَلىْ المُلوكِ والسَلاطِينْ.